توحة بنت توحيدة زينة بنات اسكندرية، ابوها (المعلم خميس) شيخ الصيادين و عين أعيان المكس عنده أسطول مراكب صيد و وكالة كبيرة، أمها (المعلمة توحيدة) ست قادرة اتجوزت خميس على مراته ام عيالة و دفعته يقاطع كل أخواته و ياكل حقهم فى الميراث و هيه السبب فى كل العز اللى بقى فيه… توحه بنت مدارس ، أمها صممت تطلعها بعد ما خدت الابتدائية عشان كانوا عاوزيين يجوزوها متولى صبى المعلم خميس و دراعه اليمين ، رفضت توحه متولى بكل الطرق لدرجة انها هددتهم انها حتولع فى نفسها لو غصبوها ع الجوازة … رغم قوة توحيدة و جبروت خميس مقدروش يغصبوا توحة على متولى … اصلها كانت بتحب امين افندى اللى ماسك للمعلم حسابات الوكالة
احبته منذ راته للمرة الاولى فى مطلع عام ١٩٤٨ ، امين افندى خريج مدرسة الحقوق فى الرابعة و العشرون من عمره ، نحيل ، متوسط الطول ، قمحى البشرة ، ذو شارب خفيف ، كان يعمل بمطبعة قبل ان يطلب منه المعلم خميس ان يمسك له حسابات الوكالة حيث اشتهر بامانته الشديدة و دماثة خلقه بخلاف وطنيته و مواقفه السياسيه التى طالما تسببت له فى مشاكل مع البوليس السياسى …كانت توحه فى الرابعة عشرة من عمرها تختلق الاسباب لتذهب لزياره ابوها فى الوكالة، تختلس النظرات الى امين افندى فى صمت و تبتسم له فى خجل فيبادلها الابتسام خجلا ثم يعاود النظر فى الدفاتر مرتجفا … كان الحب بينهما ميثاق غير مكتوب ، لغة ناعمة لا يفهمها سواهما …بينما اشتعلت حرب لعينه هناك فى الضفة الغربية ، ذهب امين اليها متطوعا بين ليلة و ضحاها تاركا خلفه كل شىء ، ذات صباح ذهبت توحه لزيارة ابوها فى الوكالة فلم تجد امين على مكتبه ثم سمعته يتحدث عن امين فى غضب شديد ( امين المجنون راح للحرب برجليه )…ذهب امين للحرب و لم يعود منها ابدا و ترك فى قلب توحة حزن عميق
مرت سنوات لم تنسى توحه امين ذلك الشاب الخجول الذى احبته فى صمت لم تصدق يوما انه لن يعود ،حتى بعد انتهاء الحرب بسنوات …ظلت تنتظره قرب الشاطىء فربما سقط أسيرا ثم اطلق سراحة، او فقد الذاكرة و سافر بعيدا ثم عادت اليه الذاكره ليعود الى موطنه من جديد … فشلت كل محاولات والدها و أمها لتزويجها كانت تهددهم بالانتحار حتى اشيع عنها انها ملبوسة صنعت لها إحداهن عملا جعلت جنى عشقها و حرم عليها الزواج من بنى الانس … كانت توحيدة تتهم عديلة زوجة خميس الاولى بأنها من صنعت السحر لتوحة حتى تقهر قلب توحيده عليها … اصبح منزل خميس مزار للدجالين و المشعوذين و إقيمت حفلات الزار عشرات المرات دون جدوى… فبداخل توحة شيءا ينتظر امين
كعادتها كل صباح تذهب توحة للسوق لجلب أغراض المنزل ، ماره بالشاطىء شارده البصر نحو البر التانى … خريف ١٩٥٦ هناك شىء بعيد ملقى ع الشاطىء ربنا يكون غريق قذفته الامواج ربما يكون امين …امين امين رجع هرولت مسرعة… خبر العثور على شاب جريح على وشك الموت اهتزت له المنطقة خصوصا عندما استضافة المعلم خميس بمنزلة مبديا شهامة و كرم غير معهوده به … بقى اسماعيل بمنزل خميس قرابة شهر ، كان اسماعيل ضابط بالجيش المصرى يتعامل مع جماعات فدائية …عندما اشتدت الحرب فى بورسعيد كلّف بمهمة سرية مع بعض زملاءه لجلب سلاح من أوروبا عن طريق تهريبه لميناء الاسكندرية …تم تسريب معلومات عن العملية و أصيب اسماعيل بطلق نارى اثناء الاشتباك ثم قذفت به الامواج على الشاطىء قبل ان تعثر عليه توحه بين الحياة و الموت
اسماعيل الضابط الوسيم ، اسمر ،طويل القامة ، مفتول العضلات ،قوى البنية ،عيناه عميقة بها مكر و ذكاء ، عندما بدا فى التعافى ،ترك منزل المعلم خميس ممتنا له واستعد للرجوع لارض المعركة بورسعيد …ليس من الضروري ان يعود الغائب ، ربما عاد ليؤلمنا او عاد ليشوه صورته فى قلوبنا ، ان الحياة برغم من غدرها فإنها عندما تخالف توقعاتنا تعطينا الأصلح لنا ، يجب ان تعيشى سعيدة فأنت تستحقى الحياة يا توحه ، فقد اتركى ذكريات الماضى ترحل فى سلام .. محادثات طويلة جمعت اسماعيل بتوحة حكت له عن حبها الصامت لامين و كان يستمع لها بإتقان ربما هذا ما نحتاجه احيانا ان نخرج ما فى قلوبنا لشخص يحسّن الإنصات …ادركت توحه انها بالغت فى حزنها على رحيل امين ربما كانت مخطئة تماما لانها لم تعطى فرصة لقلبها ليواجه الحياة مرة اخرى، فالحياة تحتاج دائما لجسارة ، ثماني سنوات نقلتها من طفلة فى الرابعة عشرة الى فتاة فى الثانية و العشرون جعلتها تنضم الى صفوف العوانس اتهمها الجميع بالجنون و التمرد و أشاعوا انها ملبوسة ..فى بعض الأحيان ياتى المس من افكارنا الغريبة احادية المصدر فنصبح سجناء أنفسنا
عندما يعرف الانسان حقيقة ذاته ،تصبح اختياراته اكثر سهولة ، كان لاسماعيل تأثير ساحر على توحه و كأنه شيخ الدجالين الذى استطاع فك العمل اخيرا رجع اسماعيل الى بورسعيد و بقيت أحاديثه معها عنها و عن الحب و الحياة ترن بأذنيها ربما يكون هذا وقت التغيير للأسعد … لم تستطع توحه تفسير انجذابها الشديد لإسماعيل فربما تكون وقعت فى غرامه هكذا يقولون ربما ينسينا حبا جديدا الحب القديم. والحقيقة انه لا يجب ان ينسينا اى حب حبنا لانفسنا وضعت الحرب أوزارها و تركت خلفها دمارا يحتاج لسنوات من الإصلاح جرحى و مشردين و مهجرين. الهلال الاحمر يواصل طلب متطوعات لخدمة مستشفيات المدينة المنكوبة. اتصلت توحه بإسماعيل تطلب منه مساعدتها لتطوع فى طاقم التمريض بالهلال الاحمر ببورسعيد. ارتدت البالطو الابيض ، ركبت القطار ،سافرت الى بورسعيد. الكثير من العمل يصلح العقل و القليل من الحب يبهج القلب و المزيد من الأمل يصلح الحياة
خلصت الحدوته